خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 24 من ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 27 / 9 / 2024م
مِنْ آدَابِ الْمَقَابِرِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ، وَأَخْطَرِ مَا يُوَسْوِسُ لِلْعِبَادِ وَيُوقِعُهُمْ بِهِ: الشِّرْكَ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَالتَّنَقُّصَ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، فَيُوقِعُهُمْ أَوَّلًا فِي وَسَائِلِ الشِّرْكِ وَطَرَائِقِهِ، وَلَا يَزَالُ يَؤُزُّهُمْ أَزًّا، وَيَفْتِنُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا، حَتَّى يَتَلَاشَى التَّوْحِيدُ مِنَ الْقَلْبِ، وَيَزُولَ الْإِيمَانُ، وَيَحُلَّ مَكَانَهُ الْكُفْرُ وَالطُّغْيَانُ.
وَإِنَّ مِنْ هَذِهِ الْوَسَائِلِ الْخَطِيرَةِ، وَالذَّرَائِعِ الْمُسْتَطِيرَةِ: تَعْظِيمَ قُبُورِ الْأَمْوَاتِ وَتَزْيِينَهَا، وَبِنَاءَ الْقِبَابِ عَلَيْهَا وَتَشْيِيدَهَا، فَالْغُلُوُّ فِي قُبُورِ الصَّالِحِينَ؛ مَبْدَأُ الشِّرْكِ وَأَصْلُ الضَّلَالِ، بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الْبَشَرِيَّةُ كُلُّهَا عَلَى التَّوْحِيدِ الْكَامِلِ وَالدِّينِ الْخَالِصِ؛ قَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ] وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ([نوح:23]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: (أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا - أَيْ: أَصْنَامًا عَلَى صُوَرِهِمْ - وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ -أَيْ: نُسِيَ- عُبِدَتْ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَلِذَلِكَ ذَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلُوَّ فِي الصَّالِحِينَ، وَحَذَّرَ مِنَ الِافْتِتَانِ بِالْقُبُورِ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهَا؛ فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
عِبَادَ اللهِ:
وَلَمَّا كَانَ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لَهُ - أَصْلَ الدِّينِ، وَشَرْطًا لِلْإِيمَانِ، وَنَجَاةً مِنَ الْخُسْرَانِ: سَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَائِقَ الشِّرْكِ وَوَسَائِلَهُ؛ فَنَهَى عَنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَإِلَيْهَا، وَنَهَى عَنْ تَحَرِّي الْعِبَادَةِ عِنْدَهَا؛ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- قَالَا : لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ وَنَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، فَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ عَدَا صَلَاةِ الْجَنَازَةِ، كَمَا تَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قَبْرٌ؛ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (فَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَوِ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ، تَتَعَيَّنُ إِزَالَتُهَا بِهَدْمٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، هَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ).
وَإِنَّ مِنْ آدَابِ الْقُبُورِ وَأَحْكَامِهَا : مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ بِالْأَرْضِ، فَلَا يُرْفَعُ أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ، وَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ بِبِنَاءٍ، طَابُوقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تُعَلَّقُ عَلَى الْقُبُورِ الْإِضَاءَاتُ وَالْأَنْوَارُ، خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِهَا؛ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَمِنَ الْمَحَاذِيرِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْقُبُورِ: أَنْ لَا يُتَّخَذَ الْقَبْرُ عِيدًا، يُعْتَادُ الْمَجِيءُ إِلَيْهِ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا حِمَايَةٌ لِجَنَابِ التَّوْحِيدِ وَسَدُّ كُلِّ طَرِيقٍ يُوَصِّلُ إِلَى الشِّرْكِ؛ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّهُ رَأَى قَوْمًا عِنْدَ الْقَبْرِ فَنَهَاهُمْ وَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» [رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَمِنْ آدَابِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ: أَنْ لَا يَجْلِسَ عَلَى الْقَبْرِ، أَوْ يَتَّكِئَ عَلَيْهِ أَوْ يَطَأَهُ بِقَدَمِهِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَيُكْرَهُ لِمَنْ أَتَى الْمَقْبَرَةَ: أَنْ يَتَحَدَّثَ بِأَمْرِ الدُّنْيَا عِنْدَ الْقُبُورِ، أَوْ يُظْهِرَ الضَّحِكَ وَالْمِزَاحَ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَكَّرَ بِحَالِ أَهْلِهَا، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ أَوِ الْعَذَابِ، وَيُوقِنَ أَنَّهُ صَائِرٌ إِلَى مِثْلِ مَا صَارُوا إِلَيْهِ.
فَعَلَى الْمُؤْمِنِ الْمُوَحِّدِ: أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَحْذَرَ مِنْ كُلِّ مَا يُخِلُّ بِدِينِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَيَنْصَحَ غَيْرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَتَمَسَّكَ بِحَبْلِ اللَّهِ الْمَتِينِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا مِنْ خَيْرٍ إِلَّا وَدَلَّ الْأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَمَا مِنْ شَرٍّ إِلَّا وَحَذَّرَهَا مِنْهُ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْه؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ، وَعَصَمَهُ وَآوَاهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
تُشْرَعُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ لِلِاتِّعَاظِ وَتَذَكُّرِ الْآخِرَةِ، وَالتَّفَكُّرِ بِحَالِ أَهْلِهَا، فَيَبْعَثُهُ ذَلِكَ عَلَى الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ؛ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَسَأَلَ رَجُلٌ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ يَرِقُّ قَلْبِي ؟ قَالَ: (ادْخُلِ الْمَقْبَرَةَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ).
فَإِذَا زَارَ الْمَقْبَرَةَ دَعَا لَهُمْ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا].
وَتُشْرَعُ الزِّيَارَةُ كُلَّ وَقْتٍ، وَلَيْسَ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَقْتٌ مُحَدَّدٌ تُسْتَحَبُّ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، لَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرُهُ.
وَأَمَّا الزِّيَارَةُ الشِّرْكِيَّةُ: فَأَنْ يَزُورَهَا لِيَدْعُوَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيَطْلُبَ مِنْهُمُ الْغَوْثَ وَالنُّصْرَةَ وَتَفْرِيجَ الْكُرُبَاتِ، أَوْ يَنْذُرَ وَيَذْبَحَ لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ( [الجن:18]، وَقَالَ تَعَالَى: ]وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ( [يونس:106].
وَمِنَ الزِّيَارَةِ الْبِدْعِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ: أَنْ يَقْصِدَ الْمَقْبَرَةَ لِيَدْعُوَ اللَّهَ عِنْدَ الْقَبْرِ، أَوْ يُصَلِّيَ لِلَّهِ بِجَانِبِهِ، أَوْ يَقْصِدَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ قَبْرِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ لَمْ تَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عِبَادَ اللهِ:
الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ: أَنْ يَحْذَرَ مِنْ وَسَائِلِ الشِّرْكِ وَطَرَائِقِ الْكُفْرِ، وَأَنْ يَعْتَصِمَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلْيَتَأَدَّبْ عِنْدَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالسُّنَنِ النَّـبَوِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْأَمْوَاتَ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا، وَخَيْرُ مَا يُقَدَّمُ لَهُمُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَسُؤَالُ اللَّهِ لَهُمُ الرَّحْمَةَ وَالْغُفْرَانَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمع