خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 19 من صفر 1446 هـ - الموافق 23 / 8 / 2024م
كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]. أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:
إِنَّ أَعْظَمَ الْكَلِمَاتِ، وَأَفْضَلَ الْحَسَنَاتِ، وَأَرْفَعَهَا قَدْرًا، وَأَعْلَاهَا مَكَانَةً وَشَأْنًا، كَلِمَةٌ لَا نَجَاةَ مِنَ الْفَزَعِ وَلَا مَفَرَّ مِنَ الْهَلَعِ إِلَّا بِهَا، هِيَ قُطْبُ رَحَى السَّعَادَةِ، وَرُوحُ الْإِيمَانِ، وَسَاقُ شَجَرَةِ الْإِسْلَامِ، أَلَا وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»؛ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَخُلِقَتِ الْخَلِيقَةُ، وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ، وَأُرْسِلَتِ الرُّسُلُ، وَخُلِقَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، وَلِأَجْلِهَا قَامَ سُوقُ الْجِهَادِ، وَانْقَسَمَ النَّاسُ إِلَى فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» كَلِمَةٌ عَظِيمَةٌ، لَهَا فَضَائِلُ جَلِيلَةٌ، وَخَصَائِصُ نَبِيلَةٌ، مَنْ قَالَهَا صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، وَعَمِلَ بِهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ؛ سَعِدَ السَّعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَعَاشَ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ الْهَنِيَّةَ؛ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: (مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ نِعْمَةً أَعْظَمَ مِنْ أَنْ عَرَّفَهُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ).
فَمِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهَا بِالطَّيِّبَةِ؛ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ[ [إبراهيم:24]، وَوَصَفَهَا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ]فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا[ [البقرة:256].
وَهِيَ أَوَّلُ مَا يَدْخُلُ بِهِ الْعَبْدُ فِي الْإِسْلَامِ، وَعَنْهَا يُسْأَلُ الْخَلَائِقُ؛ قَالَ تَعَالَى: ]فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [الحجر:92-93] قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: (عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ). وَهِيَ خَاتِمَةُ السَّعَادَةِ لِمَنْ خَرَجَ بِهَا مِنَ الدُّنْيَا؛ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَ«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» أَفْضَلُ الذِّكْرِ وَأَعْلَاهُ، وَأَرْفَعُ الْوِرْدِ وَأَهْنَاهُ؛ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَهِيَ خَيْرُ كَلِمَةٍ قَالَهَا نَبِيٌّ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
مَنْ لَهِجَ بِهَا لِسَانُهُ، وَأَلَظَّ بِهَا قَلْبُهُ وَجَنَانُهُ، سَبَقَ إِلَى أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، وَفَازَ بِأَجَلِّ الْمَطَالِبِ، وَحُفِظَ مِنَ الشُّرُورِ وَالْمَعَاطِبِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
عِبَادَ اللهِ:
مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَعَظُمَتْ خُطُوبُهُ، فَأَرَادَ مِنَ الْمَوْلَى أَنْ يَغْفِرَهَا، وَمِنَ الْكَرِيمِ أَنْ يَسْتُرَهَا، فَعَلَيْهِ بِالْإِكْسِيرِ الْأَعْظَمِ، وَاللَّفْظِ الْأَكْرَمِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»؛ عَنْ أَبِي طَوِيلٍ شَطَبٍ الْمَمْدُودِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: «فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟» قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «نَعَمْ، تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ»، قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ].
وَمِنْ فَضَائِلِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ : أَنَّهَا وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ الْكَلِيمِ مُوسَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ وَأَدْعُوكَ بِهِ، قَالَ: قُلْ يَا مُوسَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا، قَالَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ؛ مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ].
وَ«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» الْكَافِيَةُ الْمُنْجِيَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، لَا يَعْدِلُهَا قَوْلٌ، وَلَا يَثْقُلُ مَعَهَا فِي الْمِيزَانِ عَمَلٌ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى! إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ! فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ»، قَالَ: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ].
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ رَبَّهُ يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ كَلِمَةٌ جَلِيلَةٌ، عَظِيمَةُ النَّفْعِ، طَيِّبَةُ الْأَثَرِ، لَكِنَّهَا لَا تَنْفَعُ صَاحِبَهَا حَتَّى يَعْلَمَ مَعْنَاهَا، وَيُحَقِّقَ شُرُوطَهَا وَمُقْتَضَاهَا، قِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ( أَلَيْسَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: بَلَى ؛ وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ، فَإِذَا جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فَـتَحَ لَكَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْتَحْ).
فَمِنْ شُرُوطِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: الْعِلْمُ بِمَعْنَاهَا، أَيْ: أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ، فَلَا يَتَوَجَّهُ بِعِبَادَةٍ لِغَيْرِ خَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ[ [محمد:19]، وَمِنْ شُرُوطِهَا: الْيَقِينُ بِهَا الْيَقِينَ التَّامَّ، فَلَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الشَّكِّ أَوِ الرَّيْبِ فِي دِينِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَخْبَارِهِ؛ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا[ [الحجرات:15] أَيْ: أَيْقَنُوا وَلَمْ يَشُكُّوا.
وَأَنْ يَقُولَهَا بِإِخْلَاصٍ وَتَجَرُّدٍ لِلَّهِ تَعَالَى، صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ وَجَنَانِهِ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَمِّ الْمُنَافِقِينَ: ]إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ[ [المنافقون:1]، وَأَنْ يَقْرِنَ بِهَا مَحَبَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَا يُقَدِّمَ مُرَادَهُ وَهَوَاهُ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَنْ يَقْبَلَهَا وَيَنْقَادَ لَهَا الِانْقِيَادَ التَّامَّ لِكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، خِلَافًا لِحَالِ أَهْلِ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَنْهُمْ: ]إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ[ [الصافات:35].
فَبِذَلِكُمْ - عِبَادَ اللهِ- يَكُونُ قَائِلُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» مِنْ أَهْلِهَا، وَيَنَالُ فَضْلَهَا وَعِزَّهَا، جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ، السَّالِكِينَ سَبِيلَ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْفَلَاحِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة