خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 8 من شعبان 1446 هـ - الموافق 7/2 / 2025م
فَضْلُ شَعْبَانَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ ذِكْرَهُ رِيَاضَ الصَّالِحِينَ، وَمُنَاجَاتَهُ غِذَاءَ أَرْوَاحِ الْفَالِحِينَ، وَالْخُضُوعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّضَرُّعَ إِلَيْهِ عِزَّ الْعَابِدِينَ. وَالتَّخَلُّقَ بِالْأَخْلَاقِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَالشَّمَائِلِ النَّبَوِيَّةِ شَأْنَ الْعَالِمِينَ الْعَامِلِينَ. وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً تُبَلِّغُ الْقَاصِدَ مِنْ فَضْلِهِ سُؤْلَهُ وَأَمَلَهُ، وَتُنِيلُهُ مِنْ بَحْرِ جُودِهِ مَا قَصَدَهُ وَأَمَّلَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، الْمُؤَيَّدُ بِأَنْوَاعِ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ، وَالْمُكَرَّمُ بِالْمَكْرُمَاتِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ [آل عمران: 102].
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ تَأَمَّلَ مُرُورَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، وَانْصِرَامَ السِّنِينَ وَالْأَعْوَامِ، فَحَدَاهُ ذَلِكَ لِأَنْ يُبَادِرَ الزَّمَانَ وَيُسَابِقَ الْأَنْفَاسَ فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى سَيِّدِهِ وَمَوْلَاهُ جَلَّ وَعَلَا؛ فَهَا نَحْنُ وَلَجْنَا شَهْرَ شَعْبَانَ الَّذِي يَغْفُلُ عَنْهُ النَّاسُ؛ فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَوَجْهُ غَفْلَةِ النَّاسِ فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ بَيْنَ شَهْرَينِ عَظِيمَيْنِ، وَهُمَا شَهْرُ رَجَبٍ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَشَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرِ الصِّيَامِ، فَصَارَ مَغْفُولًا عَنْهُ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فِيهِ اسْتِحْبَابَ عِمَارَةِ أَوْقَاتِ غَفْلَةِ النَّاسِ بِالطَّاعَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ أَجْرًا وَأَجَلُّ ذُخْرًا ؛ فَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: »الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَالْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا: الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ؛ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْقَاتَ الَّتِي يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهَا مُعَظَّمَةُ الْقَدْرِ، لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْعَادَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، فَإِذَا ثَابَرَ عَلَيْهَا طَالِبُ الْفَضْلِ؛ دَلَّ عَلَى حِرْصِهِ عَلَى الْخَيْرِ، وَلِهَذَا فُضِّلَ شُهُودُ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِغَفْلَةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفُضِّلَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَفُضِّلَ قِيَامُ اللَّيلِ وَوَقْتُ السَّحَرِ خَاصَّةً).
أَيُّهَا الْمؤْمِنُونَ:
كَانَ نَبِيُّنَا r يَحْرِصُ عَلَى صِيَامِ شَهْرِ شَعْبَانَ وَيَحُثُّ عَلَيْهِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: »كَانَ رَسُولُ اللهِ r يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ r اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ« [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَلَعَلَّ مِنَ الْحِكَمِ أَيْضًا فِي إِكْثَارِهِ r مِنْ صَوْمِ شَهْرِ شَعْبَانَ: أَنَّهُ كَالنَّافِلَةِ الْقَبْلِيَّةِ لِرَمَضَانَ، فَهُوَ يَتَهَيَّأُ لِرَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ ،حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ لَا يَشْعُرُ بِالْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا طَالَ عَهْدُ الْإِنْسَانِ بِالصِّيَامِ شَقَّ عَلَيْهِ، وَحَتَّى تَرْتَاضَ النُّفُوسُ قَبْلَ وُلُوجِ مَوْسِمِ الْخَيْرَاتِ وَالْأَعْطِيَاتِ.
أَيُّهَا الْمُبَارَكُونَ:
إِنَّ شَهْرَ شَعْبَانَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَرَفْعُ الْأَعْمَالِ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ:
أَوَّلُهَا: رَفْعٌ يَوْمِيٌّ، وَيَكُونُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: »يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ« [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. فَيَسْأَلُ اللهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ عَنْ حَالِ الْمُصَلِّينَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِهِمْ، وَالْحِكْمَةُ مِنْ سُؤَالِهِمْ إِظْهَارُ شَهَادَتِهِمْ لِبَنِي آدَمَ بِالْخَيْرِ.
ثَانِيهَا: رَفْعٌ أُسْبُوعِيٌّ، وَيَكُونُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؛ فَعَنْ أَبْي هُرَيْرَةَ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: »إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: »تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا« - أَيِ اتْرُكُوا هَذَيْنِ - [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
ثَالِثُهَا: رَفْعٌ سَنَوِيٌّ، وَيَكُونُ ذِلِكَ فِي شَعْبَانَ.
أَيُّهَا الْمُبَارَكُونَ:
إِنَّ سَلَفَنَا الصَّالحَ كَانُوا يَغْتَنِمُونَ شَهْرَ شَعْبَانَ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَمُخْتَلِفِ الْقُرُبَاتِ، قَالَ أَنَسٌ t: (كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ أَكَبُّوا عَلَى الْمَصَاحِفِ فَقَرَؤُوهَا، وَأَخْرَجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ تَقْوِيَةً لِضَعِيفِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: (كَانَ يُقَالُ: شَهْرُ شَعْبَانَ شَهْرُ الْقُرَّاءِ)، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ أَغْلَقَ حَانُوتَهُ وَتَفَرَّغَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يُقَالُ أَيْضاً: (شَهْرُ رَجَبٍ شَهْرُ الزَّرْعِ، وَشَهْرُ شَعْبَانَ سَقْيُ الزَّرْعِ، وَشَهْرُ رَمَضَانَ حَصَادُ الزَّرْعِ). فَيَا مَنْ فَرَّطَ فِي الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةِ وَضَيَّعَهَا، وَأَوْدَعَهَا الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ وَبِئْسَ مَا اسْتَوْدَعَهَا، هَا قَدْ مَضَى شَهْرُ رَجَبٍ، فَمَا أَنْتَ فَاعِلٌ فِي شَعْبَانَ!
مَضَى رَجَـــبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيــهِ وَهَـذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الْمَبَــــــــارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الْأَوْقَــاتَ جَهْـــــلًا بِحُرْمَتِهَــا أَفِــقْ وَاحْــذَرْ بَــوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَــارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْــــرًا وَيُخْلِي الْمَوْتُ قَهْرًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا بِتَوْبةِ مُخْلِــصٍ وَاجْعَــلْ مَـدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلَامَةِ مِنْ جَحِيـمٍ فَخَيْرُ ذَوِي الْجَرَائِــمِ مَنْ تَـدَارَكْ
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّنَاءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ تَقْوَى اللهِ أَمْثَلُ طَرِيقٍ وَأَقْوَمُ سَبِيلٍ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب: ٧٠ - ٧١ ].
مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ:
إِنَّ شَهْرَ شَعْبَانَ شَهْرٌ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، وَسَتْرِ الْعُيُوب،ِ وَإِقَالَةِ الْعَثَرَاتِ، وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: »إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ« [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَصَحَّحَهَا الْأَلْبَانِيُّ: »فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِين، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ«.
فَأَجَلُّ مَا يُسْتَقْبَلُ بِهِ هَذَا الشَّهْرُ: سَلَامَةُ الصُّدُورِ، وَطَهَارَةُ الْقُلُوبِ، وَتَزْكِيَةُ النُّفُوسِ، وَالسِّيرَةُ لَا تَطِيبُ إِلَّا بِصَفَاءِ السَّرِيرَةِ وَنَقَاءِ الدَّخِيلَةِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ r: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَلْيُعْلَمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ تَخْصِيصُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِقِيَامٍ، وَلَا نَهَارِهَا بِصِيَامٍ، وَيَنْبَغِي عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ مِمَّا مَضَى أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الْقَضَاءِ، وَلَا يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يَضِيقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:»كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. فَبَادِرُوا -عِبَادَ اللهِ- إِلَى السِّبَاقِ فِي مَيَادِينِ الطَّاعَاتِ وَمِضْمَارِ الْقُرُبَاتِ؛ لَيَدْخُلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَقَدْ تَهَيَّأَ الْعَبْدُ تَهْيِئَةً إِيمَانِيَّةً، فَيُدْرِكَ مِنْ حَلَاوَةِ الصِّيَامِ وَلَذَّةِ الْقِيَامِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَعْبَانَ، وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ، ِاللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا كَمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا بِرَّهُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا مَرِيضًا إِلَّا شَفَيْتَهُ، وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عَافَيْتَهُ، وَلَا مَحْرُومًا مِنَ الْأَوْلَادِ إِلَّا وَهَبْتَهُ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذَرِّيَّاتِنَا قَرَّةَ أَعَيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة