إدارة الشئون الفنية
الخشوع في الصلاة

الخشوع في الصلاة

09 أغسطس 2024

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 5 من صفر 1446 هـ - الموافق 9 / 8 / 2024م

الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.  )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102].

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

لَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْضَ الْعِبَادَاتِ عَلَى بَعْضٍ، وَقَدَّمَ بَعْضَ الطَّاعَاتِ عَلَى بَعْضٍ، فَأَعْظَمُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ: تَوْحِيدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْجِهَادُ ذُرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ.

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ، وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ: طَاعَةً لَمْ يَكْتَفِ اللَّهُ تَعَالَى يِإِيجَابِهَا عَلَى نَبِيِّهِ بِرُؤْيَا مَنَامٍ، وَلَا بِوَحْيٍ مِنْ جِبْرِيلَ أَوْ إِلْهَامٍ، بَلْ عَرَجَ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَاوَزَ السَّبْعَ الطِّبَاقَ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ الْعُظْمَى وَالْمَرْتَبَةَ الْفُضْلَى، أَمَرَهُ رَبُّهُ بِعِبَادَةٍ عَظِيمَةٍ جَلِيلَةٍ أَلَا وَهِيَ الصَّلَاةُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

الصَّلَاةُ مِنْ أَعْظَمِ الْفَرَائِضِ أَثَرًا، وَمِنْ أَشَدِّهَا عِنْدَ التَّرْكِ خَطَرًا وَضَرَرًا، هِيَ أُنْسُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَصْلُ صَلَاحِ قُلُوبِ الْمُتَّقِينَ، وَعَمُودُ دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مَوْضِعًا؛ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمُتَّقِينَ: ]الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ[ [البقرة:3]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ]إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ[ [فاطر:29].

مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا فَقَدْ حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا ضَيَّعَ دِينَهُ، الصَّلَاةُ دَوَاءٌ يَشْفِي مِنْ أَدْرَانِ الْقُلُوبِ وَأَمْرَاضِهَا، وَمِنْ فَسَادِ النُّفُوسِ وَزَلَّاتِهَا، هِيَ نُورٌ يُزِيلُ ظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟». قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

 عِبَادَ اللهِ:

الصَّلَاةُ مِنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَثْقَلِهَا فِي مَوَازِينِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ؛ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يُنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ؛ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا؛ كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَالصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ، إِقَامَتُهَا صَلَاحٌ وَإِيمَانٌ، وَإِضَاعَتُهَا كُفْرٌ وَطُغْيَانٌ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ الله عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ بَازٍ].

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ عِبَادَةً هَذَا فَضْلُهَا، وَعَمَلًا هَذَا شَأْنُهُ لَجَدِيرٌ بِأَنْ يَسْعَى الْعَبْدُ لِتَحْقِيقِهِ، وَإِقَامَةِ لُبِّهِ وَحِفْظِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[ [المؤمنون:1-2].

فَأَصْلُ الْخُشُوعِ: لِينُ الْقَلْبِ وَرِقَّتُهُ، وَسُكُونُ الْفُؤَادِ وَخَشْيَتُهُ، فَإِذَا خَشَعَ الْقَلْبُ خَضَعَتِ الْجَوَارِحُ، هُوَ ذُلُّ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ، وَتَعْظِيمٌ وَمَحَبَّةٌ وَانْكِسَارٌ، وَقُرْبٌ مِنَ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ؛ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ اَلْمَصَائِبِ وَالْفَوَاجِعِ الَّتِي حَلَّتْ بِكَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ حِرْمَانَ الْخُشُوعِ، وَضَعْفَ الِاسْتِكَانَةِ وَالْخُضُوعِ، حَتَّى غَدَتِ الصَّلَاةُ جَسَدًا بِلَا رُوحٍ، وَحَرَكَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْقَلْبِ فِيهَا حُضُورٌ؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوَّلُ شَيْءٍ يُرْفَعُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْخُشُوعُ، حَتَّى لَا تَرَى فِيهَا خَاشِعًا» [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَرَى فِيهِمْ خَاشِعًا).

وَإِنَّ النَّاظِرَ فِي أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدُ عَجَبًا، وَالْمُتَأَمِّلَ فِي أَخْبَارِ سَلَفِ الْأُمَّةِ يَلْقَى عِبَرًا؛ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَنَّهُ الْأَلْبَانِيُّ]، فَالصَّلَاةُ أُنْسُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلْوَاهُ، وَقُرَّةُ عَيْنِهِ وَمُبْتَغَاهُ، يَفِرُّ مِنْ أَحْزَانِ الدُّنْيَا وَهُمُومِهَا إِلَى حَلَاوَةِ الْمُنَاجَاةِ وَطُولِ الْقِيَامِ وَذُلِّ السُّجُودِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ قَامَ كَأَنَّهُ وَتِدٌ، وَقَالَ مَسْرُوقٌ : قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ : هَذَا مَقَامُ أَخِيكَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ، يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَبْكِي: ]أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ[ [الجاثية:21].

فَمَا حَالُكَ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَعَ صَلَاتِكَ؟! قِفْ مَعَ نَفْسِكَ وَقْفَةً صَادِقَةً، وَتَأَمَّلْ حَالَكَ، وَفَتِّشْ قَلْبَكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ قَلْبَكَ فِي وُقُوفِكَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ فِي صَلَاتِكَ وَإِلَّا فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَحْرُومٌ؛ فَإِنَّ الْقُلُوبَ تَتَفَاوَتُ فِي الْخُشُوعِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَعْرِفَتِهَا لِمَنْ خَشَعَتْ لَهُ، قَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونَانِ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْفَضْلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، فَلَيْسَ الْقَلْبُ الْعَامِرُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ، يَتَفَكَّرُ فِي أَمْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، كَمَنْ قَلْبُهُ غَافِلٌ لَاهٍ يَتَفَكَّرُ فِي مَالِهِ وَدُنْيَاهُ، لَيْسَ حَظُّ الْقَلْبِ الَّذِي يَرْتَعُ فِي رِيَاضِ الْقُرْآنِ كَحَظِّ الْقَلْبِ الَّذِي تَمَلَّكُهُ الشَّيْطَانُ.

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ، وَعَصَمَهُ وَآوَاهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الْخُشُوعِ وَيُحَقِّقُ الْخُضُوعَ: أَنْ يَخْرُجَ الْمُصَلِّي إِلَى الْمَسْجِدِ مُبَكِّرًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، قَدْ طَهَّرَ بَدَنَهُ وَثَوْبَهُ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ مِنَ الشَّوَاغِلِ، فَإِذَا صَلَّى تَدَبَّـرَ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَأَذْكَارَ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالَهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ]لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[ [الحشر:21]. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (وَاللَّهِ لَقَدْ صَرَفَ إِلَيْنَا رَبُّنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ مَا لَوْ صَرَفَهُ إِلَى الْجِبَالِ لَحَتَّهَا).

فَإِذَا قُلْتَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ) تَأَمَّلْ عَظَمَتَهَا وَجَلَالَتَهَا، اللَّهُ أَكْبَرُ مِنَ الشَّيْطَانِ أَنْ يَغْرُرَكَ بِالدُّنْيَا، اللَّهُ أَكْبَرُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ.

وَسُئِلَ الْإمَامُ أَحْمَدُ- رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي حَالِ الْقِيَامِ فَقَالَ: (هُوَ ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ عَزِيزٍ).

وَمِمَّا يَجْلِبُ الْخُشُوعَ: وَصِيَّةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ، فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، فَإِذَا شَرَعَ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ فَكَأَنَّهَا آخِرُ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا، وَكَأَنَّ هَادِمَ اللَّذَّاتِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْتَفِتُ بِبَصَرِهِ، وَلَا يَنْشَغِلُ بِقَلْبِهِ؛ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (لَوْ رَأَيْتَ مَنْصُورَ بْنَ مُعْتَمِرٍ يُصَلِّي لِقُلْتَ يَمُوتُ السَّاعَةَ).

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: (فَمَنْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِصَلَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، قَرَّتْ عَيْنُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآخِرَةِ، وَقَرَّتْ عَيْنُهُ أَيْضًا بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِاللهِ قَرَّتْ بِهِ كُلُّ عَيْنٍ، وَمَنْ لَمْ تَقَرَّ عَيْنُهُ بِاللهِ تَعَالَى تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ).

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني