إدارة الشئون الفنية
الدلائل والبراهين على نبوة سيد المرسلين

الدلائل والبراهين على نبوة سيد المرسلين

13 سبتمبر 2024

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 10 من ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 13 / 9 / 2024م

الدَّلَائِلُ وَالْبَرَاهِينُ عَلَى نُبُوَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَمُنْشِئِ الْحَيَاةِ وَبَاعِثِ الْأَمْوَاتِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَيَّدَ رُسُلَهُ الْكِرَامَ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْبَيِّنَاتِ، وَأَكْرَمَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَخَتَمَ بِرِسَالَتِهِ الرِّسَالَاتِ، وَبِنُبُوَّتِهِ النُّبُوَّاتِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَهْلِ الْمَآثِرِ وَالْمَكْرُمَاتِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْعَرْضِ عَلَى رَبِّ الْبَرِيَّاتِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللَّهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ عَصَاهُ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَمَنِ اهْتَدَى بِكِتَابِهِ الْعَظِيمِ هَدَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الْحَدِيدِ:28].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

لَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلَهُ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكُتُبَ لِتَكُونَ هِدَايَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَيَّدَهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ الْقَاطِعَةِ وَالدَّلَائِلِ السَّاطِعَةِ، وَأَمَدَّهُمْ بِالْبَرَاهِينِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَحَقِّيَّةِ رِسَالَتِهِمْ وَصِدْقِ نُبُوَّتِهِمْ. وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ مُتَفَاوِتِينَ فِي عُقُولِهِمْ وَمَدَارِكِهِمْ، وَمُخْتَلِفِينَ فِي بِيئَاتِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ ؛ فَقْد آتَى اللَّهُ كُلَّ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ – عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْبَيِّنَاتِ مَا يُنَاسِبُ قَوْمَهُ؛ فَلَمَّا كَانَ السِّحْرُ فَاشِيًا فِي قَوْمِ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِالْعَصَا، فَانْقَلَبَتْ إِلَى حَيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ تَلْقَفُ مَا صَنَعُوا مِنْ بَاطِلٍ، وَمَا زَخْرَفُوا مِنْ كَذِبٍ؛ ] فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *   قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ( [الأعراف: 118-122].

 وَلَمَّا تَمَيَّزَ قَوْمُ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطِّبِّ وَبَرَعُوا فِيهِ؛ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِمُعْجِزَةٍ مِنْ جِنْسِ مَا تَفَوَّقَ فِيهِ قَوْمُهُ؛ فَكَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصَ، وَيَخْلُقُ لَهُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ.

وَلِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا أَهْلَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَاللِّسَانِ، وَأَرْبَابَ الْخَطَابَةِ وَفُرْسَانَ الْبَيَانِ؛ جَعَلَ اللَّهُ  أَعْظَمَ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِنْسِ مَا تَفَوَّقُوا فِيهِ، إِنَّهَا مُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الَّتِي تَحَدَّى اللَّهُ الْعَرَبَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا، وَتَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فَانْكَفَؤُوا، ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، وَلَوِ اجْتَمَعُوا هُمْ وَالْجِنُّ قَبِيلًا؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ([البقرة:23-24].

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

لَقَدْ أَجْرَى اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى يَدَيْ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ، مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَيُبَرْهِنُ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ الرُّسُلِ مُعْجِزَةً، وَأَجَلُّهُمْ آيَةً، وَأَسْطَعُهُمْ بُرْهَانًا، وَأَوْضَحُهُمْ بَيَانًا، فَلَهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا لَا يَكَادُ يُحَدُّ وَلَا يُعَدُّ، وَمِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِهِ: الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ؛ فَهُوَ الْمُعْجِزَةُ الْخَالِدَةُ، وَالْآيَةُ الْكُبْرَى؛ كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَنا، وَخَبَرُ مَا بَعْدَنَا، وَحُكْمُ مَا بَيْنَنَا، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا:]إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [ [الجن:1-2] مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ؛ ]يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ [المائدة:16].

وَإِعْجَازُ الْقُرْآنِ فِي أَشْيَاءَ، مِنْهَا: حُسْنُ تَأْلِيفِهِ وَالْتِئَامُ كَلِمِهِ مَعَ الْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ. وَمِنْهَا: صُورَةُ سِيَاقِهِ وَأُسْلُوبِهِ الْمُخَالِفِ لِأَسَالِيبِ كَلَامِ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ مِنَ الْعَرَبِ نَظْمًا وَنَثْرًا. وَمِنْهَا: مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْبَارِ عَمَّا مَضَى مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالشَّرَائِعِ الدَّاثِرَةِ. وَمِنْهَا أَيْضًا: الْإِخْبَارُ بِمَا سَيَأْتِي مِنَ الْكَوَائِنِ الَّتِي وَقَعَ بَعْضُهَا فِي الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ وَبَعْضُهَا بَعْدَهُ.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

وَمِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ لَيْلًا بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ مَعًا، تِلْكَ الرِّحْلَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ بِعْثَتِهِ وَقَبْلَ هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعْدَ وَفَاةِ زَوْجَتِهِ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، وَعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَبَعْدَ غَمْرَةٍ مِنَ الْأَحْزَانِ وَالشَّدَائِدِ، وَسِلْسِلَةٍ مِنَ الْمَصَاعِبِ وَالْمَكَايِدِ، فَكَانَتْ تَسْرِيَةً عَنْ نَفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَاسَاةً لَهُ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ [الإسراء:1]. وَرَوَى الْبَخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا حَادِثَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَفِيهَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلَى، وَأَنَّهُ الْتَقَى بِالْأَنْبِيَاءِ : آدَمَ، وَعِيسَى وَيَحْيَى، وَيُوسُفَ وَإِدْرِيسَ وَهَارُونَ وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّهُ رَأَى خِلَالَ هَذِهِ الرِّحْلَةِ السَّمَاوِيَّةِ الْمُعْجِزَةِ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَأَنْهَارَهَا، وَالنَّارَ وَمَنْ يُعَذَّبُ فِيهَا، وَسَمِعَ صَرِيفَ أَقْلَامِ الْمَلَائِكَةِ الْكَاتِبِينَ، وَرَأَى الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَمَا يَدْخُلُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، حَتَّى بَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَفِي هَذَا يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ]لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [ [النَّجْمِ:18].

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَزَّ هَذَهِ الْأُمَّةَ بِالْقُرْآنِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْكَرِيمُ الْمَنَّانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالرَّحْمَةِ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجَانِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ جَاهَدُوا أَهْلَ الْكُفْرِ وَالْأَوْثَانِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْعَرْضِ عَلَى الْمَلِكِ الدَيَّانِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللَّهِ-؛ فَإِنَّ التَّقْوَى وَصِيَّةُ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، وَخَيْرُ الزَّادِ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ؛ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

عِبَادَ اللَّهِ:

وَمِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْشِقَاقُ الْقَمَرِ، الَّذِي كَانَ آيَةً عَظِيمَةً وَمُعْجِزَةً جَسِيمَةً؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ بَيْنَهُمَا» [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ]. وَمِنْهَا أَيْضًا: تَسْلِيمُ الْحَجَرِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَمِنْ مُعْجَزِاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ: تَكْثِيرُهُ الْمَاءَ وَنَبْعُهُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ؛ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ، فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ؟» قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً) [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ]. وَمِنْهَا: تَكْثِيرُ الطَّعَامِ كَمَا فِي قِصَّةِ ضِيَافَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلْنَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بِطَعَامٍ لَا يَكْفِي إِلَّا قَلِيلًا، لَكِنَّهُ أَخَذَ كُلَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا. وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَمِنْهَا أَيْضًا: حَنِينُ الْجِذْعِ شَوْقًا إِلَيْهِ وَشَفَقًا مِنْ فِرَاقِهِ؛ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

عِبَادَ اللَّهِ:

وَمِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِهِ وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا: إِخْبَارُهُ عَنِ الْمُغَيَّـبَاتِ، فَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي؛ كَإِخْبَارِهِ عَنِ الْقُرُونِ الْغَابِرَةِ وَالشَّرَائِعِ الدَّاثِرَةِ؛ كَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ- عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مَعَ أَقْوَامِهِمْ، وَخَبَرِ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَيُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ، وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ. وَمِنْهَا: مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ فَوَقَعَ فِي حَيَاتِهِ كَمَا أَخْبَرَ؛ كَقَتْلِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَإِخْبَارِهِ عَنْ مَصَارِعِ الطُّغَاةِ مِنْ مَكَّةَ فِي غَزْوَةِ بِدْرٍ الْكُبْرَى؛ إِذْ كَانَ يَقُولُ: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ»، قَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَئُوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَمِنْهَا: مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ كَظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَعُلُوِّهِ عَلَى كُلِّ الْأَدْيَانِ، كَمَا فِي حَدِيثِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].  وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ]. وَمِنْهَا: إِخْبَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَحْدَاثٍ وَأَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ، فَمِنْهَا مَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَمِنْهَا مَا يُنْتَظَرُ وُقُوعُهُ. وَمِنْهَا أَمَارَاتُ السَّاعَةِ الَّتِي مَضَى قِسْمٌ مِنْهَا وَانْقَضَى، وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ يَنْتَظِرُ إِذْنَ اللهِ تَعَالَى لَهُ بِالظُّهُورِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني